أخبار عاجلة

بالبلدي: “هي والظل”.. الحدوتة بين الواقعية والفانتازيا

بقلم✍️ محمد بربر

(أديب وقاص)

في قراءة نقدية لمجموعة “هي والظل” للكاتبة جيهان عوض، نجد أن النصوص تقدم صورة شديدة التركيز على قضايا المرأة في المجتمع المحافظ. هذه القصص لا تكتفي بسرد الحدث، بل تتعمق في تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يكبل النساء، كاشفة عن أزمات نفسية واجتماعية مركبة تواجهها المرأة.

تعتمد جيهان عوض على عنصر “الحدوتة” كأداة للتعبير عن القهر الاجتماعي الذي تتعرض له النساء، كما يظهر في قصة “كعب عال”، حيث نجد شخصية “فاتن” تسعى إلى تحقيق ذاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأب يتدخل كرمز للسلطة القمعية التي تقيّد تطلعاتها. الرمز هنا في “الكعب العالي” يمثل صراعاً مستمراً بين تحرر المرأة والقيود الأخلاقية التقليدية.

تتلاعب الكاتبة بين الواقعية والفانتازيا، كما في قصة “ممسوسة”، حيث يتحول الممنوع الاجتماعي إلى قيد نفسي، ممثلا في رغبة البطلة المكبوتة لسماع أصوات الرجال. هذا التداخل بين الواقع والخيال يعمق القصة ويبرز الأبعاد النفسية لشخصية المرأة المضطهدة.

نرى أيضاً أن النساء في هذه القصص يحملن صراعات داخلية تعكس عمق الأزمة التي يعشنها. في قصة “أحمر شفاه”، تصف الكاتبة التحولات الجسدية والهوية الجنسية التي تصدم البطلة وتدمر حياتها. هذه القصص تتناول الجسد باعتباره مسرحاً لصراع أعمق بين الفرد والمجتمع.

الأمومة كذلك حاضرة كعامل مركزي في قصص المجموعة، إذ يتعامل معها المجتمع كقيد إضافي على المرأة. يظهر ذلك في قصة “ست عواطف”، حيث تواجه الأرملة ضغوط المجتمع لإعادة الزواج بهدف تحقيق حلم الأمومة، مما يكشف عن المفارقة بين قدسية الأمومة والعبء الذي تلقيه على المرأة.

الصراع بين الماضي والحاضر هو سمة أخرى تتكرر في المجموعة، كما في قصة “حلوى الكرز” التي تتناول الحنين إلى الطفولة البريئة في مواجهة الواقع المعادي للحرية الفردية. من خلال استعادة الماضي، تبرز الكاتبة الفجوة الكبيرة بين براءة الطفولة وقسوة النضج في مجتمع تقليدي.

تعتمد جيهان عوض على توظيف الحكايات الشعبية والتقاليد القديمة في سياق نقدي حديث، مثلما تظهر في قصة “غميضة”، التي تسلط الضوء على عادة الختان القاسية. تعيد الكاتبة صياغة هذه الموروثات لتفضح مدى عمق تجذرها في المجتمع رغم محاولات التغيير القانوني.

القصص تعالج بمهارة العلاقات المعقدة بين الجنسين، حيث يظهر العنف الجسدي والنفسي كعنصر أساسي. في قصة “صورة مفقودة”، تستخدم الصور كمجاز لفك شفرات حياة البطلة “بطة”، التي تنتهي بإجبارها على الخضوع لقوانين المجتمع، مما يعكس مأساة المرأة في مواجهة الظلم.

تترك الكاتبة نهايات بعض القصص مفتوحة، مما يتيح للقارئ التأمل في المصير غير الواضح للشخصيات، كما في قصة “رحمة ونور”، حيث تبقى النهاية مبهمة حول ما إذا كانت البطلة قد وجدت غذاءها الروحي أم بقيت عالقة في جوعها النفسي.

في نهاية المطاف، استطاعت جيهان عوض أن ترسم عالما نسائيا مشحونا بالتوتر والشكاوى، لكنه أيضا مليء بالأمل والتحدي، محاولا فتح آفاق جديدة نحو واقع أفضل للمرأة.

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

المصدر :" almessa "

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إصابة شخصين في حادث تصادم سيارتي ملاكي أمام منتجع مرسيليا
التالى رئيس الوزراء يُلقي كلمة بإطلاق خطة العمل الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية