بلقزيز: مضاربات الفكر العربي "مؤدلجة".. و"وعي الزمن" يفسر الجدالات

بلقزيز: مضاربات الفكر العربي "مؤدلجة".. و"وعي الزمن" يفسر الجدالات
بلقزيز: مضاربات الفكر العربي "مؤدلجة".. و"وعي الزمن" يفسر الجدالات

كتاب أسئلة أكثر من أجوبة، يروم تنمية حسّ التساؤل والنقد “في المقام الأول”، صدر للمفكر والأكاديمي المغربي عبد الإله بلقزيز عن منتدى المعارف ببيروت اللبنانية، بعنوان “الزمن، الهُوية والقيم”، ويقدّر فيه أن “التوزّع في أنماط الإدراك التاريخي أو في أنماط وعي الزمن هو ما يُظهرنا على أسباب الكثير من الجدل الذي اشتعل في الوعي العربي، منذ قرنين، ودارت فصولُه على الموقف من الماضي (العربي الإسلامي) ومن الحاضر والمستقبل اللَّذين يرمزان في ذلك الوعي إلى منظومة أخرى مصدرها أوروبا، ابتداء، ثم الغرب تاليا”.

هذا الجدل بدَا، حسب المفكر المغربي، “في لحظات تأزم منه، وكأنه إيذانٌ باندلاع حرب أهلية فكرية عربية بين فُسطاطين ثقافيّين: بين دعاة الأصالة ودعاة الحداثة. والحق أن أكثره كان إلى المضاربات الإيديولوجية أقرب منه إلى المناظرة الفكرية؛ الأمر الذي أفقر وعينا إلى وسائل كانت من الأهمية بمكانة كبيرة”.

وقدّر بلقزيز، وفق مقدمة كتابه الجديد، أن “كل وعي للأشياء، وعيا منظوميا أو مُرسلا منثورا، هو -حُكما- وعيٌ لها في الزمن، ووعي للزمن في الوقت عينه”؛ فـ”نعي الشيء الواحد، مثل ظاهرة ثقافية، اجتماعية، سياسية…، في أزمنة متعددة على نحو ما نعيه في أمكنة متعددة”.

وأضاف: “لعلنا لا نضيف جديدا حين نقول إن أسوأ أنواع الوعي بالزمن هو ذاك الذي يكتفي بموضَعته في حيز واحد من حيّزاته الثلاثة (الماضي، الحاضر، المستقبل)، والنظر إلى الأشياء والظواهر داخل الحيّز ذاك: مفصولة عما قبلها وما بعدها. وغنيّ عن البيان أن النظرة هذه يعتورها قصور شديد في إدراك جملة من الحقائق”.

من بين هذه الحقائق حقيقتان، حسب الأكاديمي المتخصص في الفلسفة: “أولاهما أن موقعية الزمن تتغيّر فيصير إلى ما لم يَكُنه قبلا. وهكذا فالماضي، مثلا، كان حاضرا، في وقت ما سبق، بل كان مستقبلا قبل ذلك، وحاضرُ اليوم هو ماضي الغد، ومستقبل اليوم حاضرُ الغد… وهكذا دواليك. وثانيتهما أن الوعي بالأزمنة الثلاثة هذه لا يعدو أن يكون على ضربين: إما وعيا بسيولتها وحركيّتها فتبدو فيه، حينها، أزمنة متكاملة، وليس فقط متعاقبة؛ أي ليس يَجُبُّ البَعدُ فيها القبل؛ الأمر الذي يسمح بالاحتفاظ لعامل الاستمرارية ببعض المكان التفسيرية لهذه الظواهر أو أن يكون وعيا بتمايزها وبالحدود بينها.. فلا يبدو تعاقبها، حينها، إلا في شكل تطوُّر يطوي فيه اللاحق السابق؛ الأمر الذي يغلّب في الوعي العملَ بفرضيّة القطيعة بدلا من فرضية الاستمرارية”.

ويستدرك بلقزيز قائلا: “ما أغنانا عن القول إن الفارق كبير بين إدراك تاريخي للزمن وإدراك بنيويّ: بين حركيّته وتحوُّله في الأول وستاتيكيّته في الثاني”.

أما “السرديات” فيقدّر بلقزيز أنه “من العسير افتراض صلة مطابقة بين السردية وأبنيتها، و(بين) موضوعها المسرود، لأنها مطابَقة وهمية أو متخيّلة حتى وإن أوحت بها السردية:

هذه التي لا تملك غير أن توحي بها من أجل تعظيم قوّتها الإقناعية، كسردية، لدى من يتلقاها. لا مندوحة من عرضها على ميزان التحليل والتبيّن، إذن، قصد إعادة بناء منظومة الرواية فيها، وتبيُّن المواد التي رُكّبت بها منظومة السّرد تلك”.

و”يستفاد من هذا”، حسب المصدر ذاته، “أن علينا أن نكف عن الاعتقاد بأن السرديات تقدّم إفادات عن الأشياء والأحداث والوقائع والأفكار، وأن ننصرف إلى مقاربتها بوصفها تقدّم تمثلات عن تلك الأشياء فقط؛ تمثلات يكوّنها أولئك الذين ينشئون تلك السرديات”.

وهذه التمثلات “صورٌ ذهنية عن أشياء ربما اقتربت من الأشياء تلك، في جزئيات منها، وربما تباعدت عنها، وربما أضافت إليها ما ليس فيها، وربما حذفت منها ما هو فيها، وهكذا مما هو داخلٌ في عمل الوعي والمخيّلة من عمليات مختلفة بها تُصطنَع الصور عن أشياء العالَم”، ثم يعلّق بلقزيز على هذه الفكرة: “هذه الملاحظة إذا كانت صادقة في حالة السرديات التي يقدمها أفراد (سرديات تاريخية، فكرية، دينية، سياسية، إيديولوجية…)، فكيف لا تصدُق في حالة السرديات التي تتحول، مع الزمن، إلى سرديات جماعية يُضيف كل جيل إلى طبقاتها المحكية السابقة طبقات جديدة؟”.

وفي شقّ “القيم” يقدّر بلقزيز أن “أم المسائل والمعضلات في منظومات القيم إنما هي تلك التي تكمن، اليوم، في ما تُلقيه تحوُّلات العلوم والتكنولوجيا من تحديات هائلة على صعيد القيم الإنسانية”.

ويتابع: “لقد أصبح الإنساني في الإنسان موضع نظر منذ أن أدخلت نتائج الثورة في العلوم البيولوجية في دوائر الإمكان التدخل في الهندسة الطبيعية للكائنات الحية، بما فيها الإنسان؛ ومنذ شرع الذكاء الاصطناعي في الاعتياض عن الإنسان بالآلة، وعن العمل الإنساني بالعمل الآلي، وعن ذكائه بـ’ذكاء’ التكنولوجيا!”.

ويرى المفكر أن عصر “الإنسان الآلي” هو، بالتعريف، “عنصر نهاية الإنسان!”، مردفا: “الأنكى والأمر هو أنه ما من أحد أوصل الإنسان إلى هذا المآل سوى الإنسان نفسه! لقد كان الإنسان دائما، وعبر تاريخه المديد، ضحية جهله فكان عليه أن يتعلق ويَعلم كي يغالب شروط الحياة. أما اليوم فبات الإنسان، حقا، ضحية علمه… الذي يودي به! أيُّ هويات وأي قيم، يا ترى، يمكن الحديث عنها في هذا المنعطف الجديد؟!”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تفاصيل مثيرة بشأن اغتيال السفير السوري المنشق نور الدين اللباد في درعا
التالى بالصور.. احتفالات أمام منزل سعد الصغير بمناسبة الإفراج عنه